أحمد سعيد البقالي: حوار الأشكال والأحاسيس في هندسة الروح
يُعد الفنان العصامي أحمد سعيد البقالي صوتًا تشكيليًا فريدًا ينطلق من عمق الذاكرة البصرية لمدينة أصيلة، ليُترجمها إلى أعمال فنية تنبض بالحياة والتجريد المنظم. يتميز عمله بخطوط قوية وملونة تُوجّه فكر المُشاهد نحو عالم بصري بسيط ومتماسك، حيث تتداخل الهندسة واللون لتكوين لغة بصرية معاصرة، لكنها مشبعة بأصالة العمارة التقليدية التي تطبع مسقط رأسه.

في أعمال البقالي، تتكرر النوافذ والواجهات المرسومة بخطوط مقوّسة، مطلية بألوان دافئة وأحيانًا باردة، مما يخلق توازنًا بصريًا يجمع بين الصرامة التركيبية والحميمية التعبيرية. هذه النوافذ ليست مجرد عناصر معمارية، بل تُصبح منافذ روحية تطل على عوالم داخلية، تتقاطع فيها الرغبة الإبداعية الحرة مع ضرورةٍ شعورية عميقة تنبع من داخل الفنان.

ما يميز البقالي هو طريقته المنهجية في خلق عوالمه التشكيلية، حيث يقوم بتجميع العناصر الشكلية وإعادة ترتيبها تلقائيًا ضمن نظام بصري مضبوط. هذا التوازن بين التلقائية والانضباط هو ما يمنح أعماله بعدًا إنسانيًا وشاعريًا، ويُحول الشكل إلى أداة تواصل وجداني بينه وبين المتلقي.

يمتد فن أحمد سعيد البقالي ليعكس ليس فقط انتماءه المكاني، بل أيضًا رحلته الداخلية كباحث عن المعنى من خلال الشكل واللون. فهو لا يرسم فقط، بل يبني، يُركّب، ويهندس مشاعره على القماش، لتتحول كل لوحة إلى مساحة تأملية، يتقاطع فيها الذاتي بالجماعي، والتجريدي بالمحسوس.

في النهاية، يقف المتلقي أمام أعمال البقالي كما يقف أمام واجهة منزل قديم في أصيلة، يعرفه جيدًا، لكنه يكتشف فيه في كل مرة معنى جديدًا، لأن الفن هنا لا يُعيد تمثيل الواقع، بل يُعيد تشكيله من الداخل.