zaïla.AbdesArt
الشويخ عبدالسلام
ZAILA.COM
Asilah.fr
CULTURE LOCALE
MENU
عبور الصمت: ولادة ذاكرة تشكيلية ( نقد فني )
الشويخ عبدالسلام، فرنسا
ينتمي الفنان الشويخ عبدالسلام إلى الجيل المعاصر من الفنانين التشكيليين المغاربة الذين جعلوا من التجريب والتأمل الفلسفي في العمل الفني جوهراً لممارستهم الإبداعية. تُميز أعماله بُنيةٌ تعبيرية تستند إلى لغة بصرية مركّبة، حيث يندمج المجرد بالرمزي، ويتقاطع الذاتي بالكوني. يُعرف الشويخ عبدالسلام باشتغاله على وجوه بشرية تتأرجح بين الظهور والاختفاء، تُجسد حالات شعورية متوترة، كما لو أنها قادمة من عوالم داخلية مظلمة. عبر مسارات خطية وتكوينات لونية شديدة الحساسية، يطرح الفنان سؤال الإنسان، والوجود، والذاكرة، في تجربة تشكيلية تتغذى من الصمت بقدر ما تُثير الكلام.
كانت اللوحة في بدايتها نَفَسَ صمت. خالية من الصور، من الرموز، من الألوان. كانت تنتظر. فضاء معلق، ذاكرة بيضاء قابلة للاستيقاظ عبر يد الفنان. هذا الفراغ ليس غياباً، بل توتراً للاممكن.
بحركة ناعمة، تكاد تكون طقسية، يترك الفنان الطلاء المخلوط بالماء ينزلق. لا يفرض شيئاً، بل يرافق. الألوان تنتشر، تختلط، تضيع. يتكوَّن خلفٌ بصري غامض، عالم من الذبذبات اللونية، لا يحمل اسماً بعد. مرحلة تستحضر البعد التأملي لأعمال مارك روثكو أو غسلات الحبر الروحية لدى زاو وو-كي.
ثم يظهر ما لم يكن متوقعاً. بدون نية محددة، يرسم الفنان خطوطاً، أشكالاً مترددة. يختفي العقل أمام حركة الجسد. ما يبرز ليس مرسوماً، بل متولد من أعماق النفس. تتحول اللوحة إلى مرآة للروح، حيث تتجسد الخطوط في ملامح إنسانية – إنسانية أكثر من اللازم – ولدت من عمق داخلي خفي.
تطفو هذه الرؤوس، كأنها انفلتت من صمت مظلم، قادمة من عوالم خفية. وجوه تحمل آثار المحن، الرحلات الداخلية، والانكسارات. تعبيراتها تتراوح بين الذهول والحزن واليقظة. تذكرنا بأشكال بول كلي التائهة، أو وجوه مايكل بورمانس الشبحية، أو أقنعة جيمس إنسور الغامضة.
هذه الوجوه، في تشوهها، تتكلم. لا تبحث عن الجمال، بل عن الحقيقة. حقيقة هشة، مجزأة، تمسنا في أماكن لا تصلها الكلمات. لغتها الصمت، الدهشة، والحلم اليقظ.
ليست هذه مجرد لوحة تشكيلية، بل عبور. الفنان لا يرسم العالم، بل يرسم ما وراء العالم. يدعونا لنرى بطريقة مختلفة، لنشعر بطريقة مختلفة، لنفكر خارج الإطار. هكذا تصبح اللوحة عتبة ميتافيزيقية، اقتراحاً لرحلة داخلية، وكشفاً لما نحن عليه في صميم وجودنا.