الشويخ سعيد 

zaïla.Histoire 

ZAILA.COM
Asilah.fr

CULTURE LOCALE

MENU

مقبرة سيدي والو2/7
سعيد الشويخ

في الصباح الباكر، الذي يزداد ضوئه توهجا في غرفة جدتي، عندما تنعكس أشعة الشمس الوليدة على القبور المجيرة ببياض حليبيي، أحسبه حليب فطوري وقد سكبته جدتي في كأسي، لأغفلها و أزيد عليه قهوة سوداء مرة أحليها بما يصل مسمعي من آيات النعيم و عسل أهل الجنة يتلوها فقيه على عجل، وأتعجل بدوري في شربها حلوة كرحيق مختوم أو عسل مصفى لذة للشاربين.. لأكمل فطوري بماجهزته جدتي بيض و خبز الزرع مدهونة بسمن بلا عسل أهل الدنيا  و رغيف محشو بشحم الخليع، قبل أن تنصرف إلى غزل الصوف الأبيض لتزيد غرفتها بياضا على بياضها..و عادتي أن أتناول فطوري ، وعيني على مغزلها الدوار ، و ما يدوخني منه ليس دورانه في الهواء كلعبة الطريمبو التي كنا ندورها على الأرض المتربة، بل حركات يداها المتراقصة في الهواء و كأنها تحمل دما متحركة تحركها كيف شاءت و متى شاءت متحكمة في مصائرها، وهنا لا يحسن بي تشبيه حركات يدها كمايسترا  فرقة موسيقية فالمقام غير ذلك،  كما أنها لم تكن تحب سماع الموسيقي و لها عدرها..
طلبت مني جدتي أن أسقي لها الماء من بئر سي الهاشمي  الغير بعيد من منزلها، لتشرب و تبلل حلقها الناشف،  و أحضرت لها ما طلبت ماء زلال مطيب بقطران كأس الفخار،  شربت و ارتوت و عطشت أنا و ارتوائي ما ستفوه به للتو ، هو طقس الحكاية نعم، لا وقتها والليل لا زال بعيدا بعيدا، لا أستعجل قدومه..
لم تمهلني جدتي كثيرا و أراحت حلزونة أدني، كنت حينها ككلبي ريكس، وهو  يطنش أذنه ليسمع دبيب خطوات الغريب ليرفع صوته بالنباح منبها أهل الدار..
وتمتمت.. صدى صوتها كسر كأسي الفارغ إلا من سواد ليلة أمس وقد ترسب في قاعه نقيع بن!!
و قالت:  أمس و في جوف الليل، وبينما كنت تغوص في نومك - و الحقيقة غير  ذلك-  رأيت من النافذة، امرأة تدخل باب المقبرة ملفوفة في حائك صوف، وشى بياضه سواد الليل وفضح و جهها ضوء فنار كانت تحمله، الذي كلما خفت وهج فتيله تأجج مشتعلا بسكب دموعها !! وجلست قرب قبر، و بدأت في النواح و البكاء تعيع باسم ولدها، نعم ولدها..
حينها اهتز قلبي و زعزعت نبضات خفقانه المتسارعة ضلوعي الصغيرة المجبرة  بجبيرة  بيض الحجل و طحين كان قمحا في بيادر الجوع، قبل أن تدقه بحجارة من سجيل و كانت مسامات جلدي لها غربالا !!!
لم تمهلني جدتي حتى أجمع أنفاسي  المهترقة على جوانبي كمن به بلل، و الحال أنني أقنعت نفسي  - و الصواب لم أستطع إلى ذلك سبيلا-   بأنه صدى أعيوع نساء جبل العلم.. و أتممت كلامها لا حكيها، وأنا هنا من أصبح يريد ماءا يبلل حلقي اليابس الملتسق جلده..  ولدها مات شابا يافعا في ريعان شبابه، مات مقتولا.. مات مغدورا..